دون أن ترفع عينيها
من على الأوراق المكدسة
قالت .. بشكل روتيني
بإمكانك
وضع بياناتك ورقم هاتفك
وسوف ..
نرد عليك أذا استوفيت الشروط
وتم قبولك
لكنها ..
لاحظت أن الشخص الواقف لم يتحرك من
مكانه
رفعت وجهها
وهي تقوم بتعديل نظارتها الطبية
لتجد نفسها ..
أمام مفاجئة .. من نوع أخر
وجدته
واقف أمامها ... بعد أعوام طويلة من الفراق
ينظر أليها باهتمام شديد
وهو يكاد يلتهمها بعينيه
أم هي
فقد أصيبت بارتباك شديد
____
وكأن رياح عاصفة قد بعثرت الأوراق المتراكمة
حتى ذقنها
وفجأة
___
وكأنها تنظر إلى مرآتها
أخذت تتلمس شعرها الغير مرتب
منحنيات جسدها التي تغيرت قليلا
بفعل تقدم العمر والزواج والإنجاب
ووجهها الخالي من المساحيق
____
عدا كحل سال من حرارة الغرفة
وقفت تنظر أليه
تتأمله
لم يتغير كثيراً
لازال وسيماً
بعينيه السوداوين .. وملامحه الحادة
خصلات الشيب تكسو شعره الكثيف
واللحية الخفيفة التي أكسبته
وقار
يبتسم
وتلك التعاريج
ترتسم على حواف شفتيه وإطراف عينيه
همست بارتباك ..
محمود !
ومدت كفها .. المبلل بالعرق من أثر
الكتابة
شعرت بالحنق من نفسها
في جو تسوده مشاعر كثيفة
تكاد
تقع مغمى عليها من هول المفاجأة
لكنها أخيراً تماسكت
ليست نهاية العالم
هكذا همست لنفسها
وهي تدعوه للجلوس
وتتكلم بصوت .. تشعر أنه غريب عنها
يالها مفاجأة ..
متى عدت من السفر..
_____
أحتضن كفها بآلفة وحنان
أو هكذا خيل أليها
رغم خشونة راحة يديها من أعمال البيت
ومتطلبات الأولاد
قال لها ..
منذ وقت قصير
___
كان مقرر أن أستلم إدارة القسم
وعندما أطلعت على الكشوفات وجدت أسمك
أسرعت .. للقائكِ
في هذه اللحظة
تمنت لو أنها تركت عملها منذ وقت طويل
عندما كان زوجها يحاول أقناعها
..
بذلك
..
لكنه القدر .. هكذا همست لنفسها
تبادلا .. أحاديث قصيرة ..
عن حياتها .. لاحظت انه لم يستغرب
وكأنها كان على علم ... بكل المستجدات
بعد رحيله ..
وكان بالفعل يتابع أخبارها
ومهتم بأدق التفاصيل
منذ سفره .. إلى هذا الحين
بل حرص على العمل في هذا المبنى من أجل
رؤيتها
ولم يشاء أن يعلمها بقدومه
ولا حرصه على إستلام إلادارة
أخذ .. محمود يتأمل
صفاء ..
بحب عميق ..
لم تتغير كثيراً حتى كسبها للوزن الزائد
..جعلها أكثر أنوثة وجمال
عينيها النحاسيتان
وبشرتها الشاحبة ..
كسماء الخريف
وشعرها الكثيف وهي تعقده كمديرة مدرسة
صارمة
أم هي ..
فقد جالت بقلبها لا بعينيها
على محياه
وهي تحاول تهدئة ضربات قلبها المتدفقة
ساد صمت موجع
بينهم
وكأن لحظة الوداع
عادت للظهور علنية
بينهم ..
لا تريد حتى استعادة ذكرى ذلك اليوم المشئوم
الذي دونته بالحبر الأسود في دفترها
القديم
..
هل لديك أولاد
وكأن السؤال أنزلق من شفتيها دون ..
وعياً منها ...
اعتدل في جلسته ..
وهي ينظر أليها بإمعان
لم أتزوج .. يا صفاء
صفاء ..
هل هذا أسمها فعلاً
أم انه ينطقه بطريقة تشعرها
بدبيب الحياة في روحها
...
خطبت فتاة أوربية ولم ينجح الأمر
وصرفت نظراً عن الزواج
ركزت في دراستي وواصلت حتى الدكتورة
وقررت العودة
....
ليتك لم تعد
مجدداً
انزلقت الكلمات من شفتيها
أبتسم بمودة
وهو يقول لها
كالعادة تقولين ما تفكرين فيه
أما أنا فلست نادماً ..
على عودتي
يكفيني أنني رأيتك
...
نهض محمود
بطول الفارع
وعينا صفا تعانقه
...
همس
صفاء ..
عينيه كانتا تحملان حباً جارف
أو هكذا خيل أليها
...
صفاء سعيد جدا برؤيتك ... سنلتقي كثيراً
وسيسرني التعرف على عائلتك ..
الصغيرة
..
أما صفاء فقد شعرت أنها غير مسرورة
بل تشعر بأن سقف الغرفة
كدوامة
أمسكت مقبض المقعد
وهي تحاول الجلوس والتقاط
أنفاسها
بعد خروج محمود
وهل ترتجف كورقة في مهب الريح
.....
ما لذي تخبئه لها ... الأيام ...
يتبع
____
عودة لكتابة القصة القصيرة
...
راوية فتحي
R F Nisma Alhlm